بحث عن كتاب
كتاب 10خطوات للتغلب على الإنغلاق الذي قد يصيبك لغير محدد

تحميل كتاب 10خطوات للتغلب على الإنغلاق الذي قد يصيبك PDF

المؤلف : غير محدد
سنة النشر : غير محدد
عدد الصفحات : غير محدد
عن الكتاب : نحن أبناء ثقافة الانغلاق، ومن ثم فنحن مجتمع مغلق على نفسه، ولا يهون من هذه الحقيقة ما نراه من مظاهر الانفتاح، خاصة الاتصالي منها، بل هذه المظاهر ليست انفتاحاً بمقدار ما هي تحدّ للأنا، تكشف عن مدى سيطرة أنساق الانغلاق، وتغلغلها في الوجدان العام، وتماهي الاجتماعي بتنويعاته معها. وإذا كانت هذه الأنساق بطبيعتها مضمرة، لا تظهر إلاّ لمن يحاول الكشف عنها بواسطة تتبع مظاهرها، فإن الحوادث والأزمات التي يتعرض المجتمع لها بين الحين والآخر كفيلة بأن تستنطق هذه الأنساق وتبرزها للعيان، لتجعلها أكثر عرضة للقراءة والتأمل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي محفزات للثقافي - على تباين أطيافه - ليقرأ ذاته قراءات متنوعة، تكون على المدى البعيد - بتراكماتها - طرائق للقراءة الناقدة، ومن ثم للانفتاح المتفهم للمختلف والاختلاف. لهذا تصبح الأحداث المؤلمة على كل ما فيها من ألم ذات جدوى على المدى البعيد، إذ أن ظهور أعراض المرض في وقت مبكر يعطي فرصة للتشخيص والعلاج، على العكس من الأمراض كامنة الأعراض، فهي تأتي بعد اكتساح المرض لكافة الخلايا وأجهزة المناعة، مما يجعل التشخيص والعلاج مهمتين مستحيلتين، أو على الأقل، إن نجحت الأولى فالثانية متحققة الفشل. بهذا تكون الأحداث جرس إنذار تكشف عما تعد به انساق الانغلاق من كوارث، لا على المستوى الإقليمي، أو القومي فحسب، بل على المستوى الإسلامي الذي يراد الانتصار له، مما يجعل من الأحداث المروعة ليست شيئاً إذا ما قيست بالخلل الثقافي الذي كشفت عنه، والكامن في كافة الخطابات، على تنوعها وتضادها أحياناً، فالقنبلة على خطورتها أخطر منها المصانع المنتجة لها، وهي مصانع (آليات الإنتاج الفكري هنا) لا تنتسب لخطاب واحد، أو لصاحب فكرة ما قدر ما هي أنساق تنظيم تنويعات الثقافي، أياً كان منطلقه، وهذا ما يجعل من الفكرة والفكرة المضادة لها كليهما تضمر القابلية ل (الإرهاب)، فهما وإن اختلفا في المصدر المعرفي، وفي الهدف أو الوعد الطوباوي، فإن آليات الإنتاج واحدة، وهنا يكمن الخطر الحقيقي. ولأن الموضوع في غاية التعقيد ويصعب - بل يستحيل - تناوله في مقال واحد، فحسبي أن أشير إلى النقاط التالية، لتكون ميدان تأمل: 1- ليس المراد بالانغلاق قطع وسائل الاتصال بالآخر، وعدم سماعه أو تجنب مخالطته، فهذا لا يقول به المجنون فضلاً عن غيره، وإنما المراد هنا الفكرة ذات البعد التربوي الواضح، التي ترفض الآخر المختلف، وتستريب به، وتقيم حاجزاً وجدانياً بين ذويها وبينه، فلا تنخرط معه في علاقة تفاعلية حقيقية على المستوى الثقافي والاجتماعي، ومن ثم فهي تتوهم الغزو الفكري وتتلبسها خيالات المؤامرة، فتبقى - وإن اختلطت بالآخر - في حالة استنفار وتحفز للدفاع عما تتوهمه خصوصية، أو ما تظنه قيماً، وبها يحال بينها وبين الاستفادة من الآخر، لأنها تأخذ منه - هذا في حالة قبولها الأخذ منه ابتداء - وهي قد افترضته عدواً، فأي تأثير يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ والثقافة ليست مجرد معلومات يتم نقلها أو استراقها، وإنما هي منظومات متكاملة تشكل بنية الوعي، فيظهر ذلك جلياً في الخطاب وفي الممارسة السلوكية، بمعنى أنها - أي الثقافة - تعيد صياغة المجتمع ضمن منطقها، وإذا كانت الثقافة التي نطمح إليها - وهي بكل صراحة الثقافة الغربية صانعة الحضارة المعاصرة - ذات منطق يقبل المختلف ولا يضيق بالاختلاف، فإنه منطق - بطبعه - يسع الجميع، وما تحصين الأنا ضد تأثيرها إلاّ جهل - وربما حماقة - يصعب الاعتذار له. بهذا يتضح أن الإنسان المنغلق ليس هو اللا متواصل فحسب، بل هو في الحقيقة ذلك الإنسان الخاضع لايديولوجيا الفكرة الانغلاقية ذاتها، فهو يحمل انغلاقيته معه في كل بقعة يحل بها، وهذا ما يفسر كيف أن الإنسان قد يعيش في عواصم العالم الثقافية الكبرى لسنوات، لكنه يرجع كما ذهب، منغلقاً على ثقافته القومية، لا يرضى بها بديلاً، بل ويرسم حدوده على ضوئها، بينما نجد الآخر لم يتجاوز حدود قريته، لكنه أزال كل الحدود، وانفتح على فضاء ثقافي غير محدود، وفي هذا ما يؤكد خطورة الانساق التي تتحكم في وعي الإنسان، وضرورة الالتفات إليها، بوصفها الأكثر خطورة، والأقدر - إذا أمكن تغييرها - أن تؤدي دوراً حيوياً على عكس ما كانت تؤديه من قبل. إن مسألة الانغلاق والانفتاح ليست مسألة خيار بين حسن وأحسن، وإنما هي مسألة خيار بين حياة أو موت، والموت هنا ليس موجهاً تجاه الآخر فحسب، بل يشكل موتاً (انقراضاً) بطيئاً للأنا، ولا يخفى أن التخلف صورة من صور الموت. 2- إذا كان ما سبق تصور مبتسر للانغلاق وخطورته، فإن تشخيص الأنا من هذه الزاوية لا يقبل المصانعة، خاصة في المرحلة الراهنة، فلا مناص من الاعتراف بأننا أبناء بيئة منغلقة على نفسها، ذات عمق انغلاقي في الزمن، يمتد لآلاف السنين، ولعل رواج ثقافة الانغلاق وتعثر ثقافة الانفتاح، ومستوى التقبل الجماهيري لكل منهما، يؤكد دور الجغرافي في المعرفي. ولا شك أن العلاقة بين ثقافة الانغلاق والبيئة القابلة لاحتضانها وتنميتها علاقة تفاعلية، فكل منهما يعمق نسق الانغلاق عند الآخر، وبهذا ازدادت البيئة انغلاقاً - لا يقلل التواصل المادي من وصف البيئة بالانغلاق، فهو هنا وصف ثقافي - كما أن الثقافة الانغلاقية المحتضنة أصبحت تنتج ثقافة أشد انغلاقاً بفضل تفاعلها مع المجتمع العشائري المنغلق بطبعه. 3- إذا كان الديني هو المحرك الأساس لأبناء هذه البيئة فإن الخلل في التلقي وفي الممارسة يكشف عن أنساق الانغلاق بوضوح، وهي أنساق لا يختص بها الديني من دون غيره، بقدر ما هي فيه أوضح، لكونه الأرفع صوتاً، والأكثر فاعلية في المجتمع المحلي، وإلاّ فالليبرالي المحلي، يصدر في ممارسته الثقافية عن الأنساق الانغلاقية ذاتها. ولنكن أكثر وضوحاً في هذه النقطة لأهميتها، فبالنظر لتاريخ تموضع الديني عندنا، نجده يتموضع مستسلماً لنسق الانغلاق، فتظهر أحادية الرأي في مسائل الخلاف، إذ يتم التخلص من الآراء (الفتاوى) المخالفة بالتكتم عليها أو تهميشها، أو - وهذا في أحسن الأحوال - ذكرها لكن بمصادرة حقها في التطبيق، وبهذا لا يعترف بها الوعي الاجتماعي، لأنها لم تتجاوز الورق الذي كتبت عليه، وإذا كانت المجتمعات ذات الطابع الاختلافي، التي تمارس مسائل الاختلاف الفقهي فيها بجلاء، ينشأ الإنسان فيها وهو يرى أمام عينه الاجتهادات على اختلافها محل ترحيب حقيقي، لأنها تأخذ حظها من الممارسة، فإن الإنسان لدينا نشأ - وربما لا تزال الحال كذلك - في إطار اجتهاد واحد فمهما قيل له بعد ذلك عن تعدد الآراء في المسألة، ومهما أقنع بأنها مسألة خلافية، فإن ينفر من الاجتهادات الأخرى شعورياً، ويحس في أعماق ذاته بأنها بعيدة عن الصواب، وغير قابلة للتطبيق، مع أنك لو سألته لذكر الخلاف فيها، فهو يعي الخلاف معرفياً ويتفهمه، لكنه لا يعيه ثقافياً (بالمفهوم الواسع للثقافة) ولا يتفهمه، ولو أخذنا مسألة واحدة كالجهر بالبسلمة لوجدنا النسيج الاجتماعي - مع علمه بالخلاف فيها - لا يتقبل شعورياً أن يكون الخلاف فيها محل تطبيق، فضلاً عن مسائل أخرى، يختلط فيها الديني بالاجتماعي (كوجوب أو سنية صلاة الجماعة، وجواز أو حرمة كشف المرأة لوجهها، وإباحة أو تحريم الأغاني.. إلخ)،، وهذا ما يفسر الحرص الشديد على أطرنة المجتمع وفق رؤية أحادية، في الوقت الذي تدرس فيه مسائل الخلاف، في الكليات الشرعية، وإن كان السؤال المهم والمقلق: كيف تدرس؟!، إذ لا يزال الإنكار لدينا على أشده في مسائل الخلاف. إن ما أريد أن أنبه عليه هنا أن ذكر الاختلاف، بل والاعتراف به، لا يعني بحال من الأحوال تقبله والرضا به، وما لم يمنح الاجتهاد الفقهي للأئمة في الماضي والحاضر حقه في أن يكون متعينا على أرض الواقع فإنه في نهاية الأمر سيبقى منفياً خارج الدائرة الفقهية، مهما كانت العناية النظرية التي يحظى بها. وهذا كله يؤدي إلى التقولب وفق رؤية فقهية ضيقة مستبدة، لا تسمح بتعدد الرؤى، فتؤسس بهذا لمجتمع ذي نسق مغلق، يعترف بالآخر نظرياً، ولكنه ينفيه من الواقع، كما هو الحال في المسألة الفقهية، فالنسق واحد مهما اختلفت الميادين، وبالتالي يصبح العنف - أياً كان مصدره - مبرراً، وربما محل عطف في السياق الثقافي لهذا النسق، وهو ما نأمل في علاجه من مواقع مختلفة، ليس الثقافي بأقلها جدوى. 4- يجب قراءة الخطاب الإسلامي في هذه الأحداث، لكونه معنياً بشكل أو بآخر بما وقع، فالمنفذ ينطلق من ذات الخطاب، وبصرف النظر عن براءة الخطاب المعتدل من الجريمة التي وقعت، فإن اتكاء المنفذين على ذات الخطاب - وإن كان اتكاؤهم باطل الاستدلال - يجعله معنياً بشكل جوهري بمعالجة الحدث فكرياً، وهذا ما فشل فيه - إلى حد كبير - هذا الخطاب، ولا يعني هذا انعدام المعالجة المتعقلنة إسلامياً لما حدث، بل يعني فشل الأعلى صوتاً في هذا الخطاب والأكثر جماهيرية، ولا يغني بعد ذلك نجاح المهمش والفردي، لأنه ذو تأثير محدود. ولقد لوحظ حرص هذا الخطاب أن يظهر بمظهر الانفتاحي، المتفهم للآخر، والقادر على الحوار، وتقبل الاختلاف، غير أن نسقه بدا أنه يخونه في الغالب، لذا وجدناه - أي الخطاب الإسلامي - ينتقل من مناقشة الفكرة التي صدر عنها منفذو الجريمة، إلى الشأن الأمريكي خاصة، والغربي عامة، مستثمراً هجائياته البليغة (الفرزدقية - الجريرية) في كشف جرائم الأمريكي، مما يؤكد سيطرة النسق الانغلاقي، وتغلغله في اللاشعور الجمعي لهذا الخطاب، وهذا ما اتضح بجلاء في المقابلات الارتجالية على الفضاء، ولعل أبرزها المقابلة التي عرضت في إحدى الفضائيات قبل أيام مع أحد الفضلاء، إذ عزم فيها على الصراحة فكان، وحاول أن يظهر فيها بمظهر الانفتاحي الواسع الأفق ففشل في ذلك، وجره نسقه الانغلاقي إلى طرح منغلق في أبعاده، وإن تراءى ليبراليا في مطالبته بالشفافية، وحرية الرأي، إذ سرعان ما تجلت عدائيته للمخالف له، حتى وصل به الأمر إلى تصنيفه (منافقاً أو علمانياً أو ....)، مطالباً بالمنع والإقصاء، بل تعدى ذلك إلى جعل الاستقبال الفضائي والسماح به أحد أسباب العنف، ملمحاً إلى ضرورة الحجر على الناس فضائياً، وفي هذا ما يدل على مدى ما وصلت إليه الانساق الانغلاقية من فاعلية في بنية هذا الخطاب، فهل يريد أن يحجب الفضاء عن الناس في وقت يدعو فيه إلى ضرورة الصراحة في إبداء الرأي؟!، وماذا بقي للرأي بعد كل هذا الحجر؟! كل هذا يكشف عن خلل كامن في الأنساق الثقافية لمجتمع بأكمله، تتساوى في الخطابات على تباينها الايدولوجي. وبهذا يتضح أنه عندما يطرح هذا الخطاب - أو غيره من خطاباتنا - حرية الرأي، فإنما يريد رأيه لا غير، فحرية الرأي عند هذا الخطاب ليست مطلوبة لذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة لنشر الايديولوجيا التي يصدر عنها هذا الخطاب. ولا يعني كل هذا أننا على الضد من هذا الخطاب، بل العكس هو الصحيح، فنحن أبناء هذا الخطاب الإسلامي، وليس المراد تقويضه بهذا النقد، وإنما المساهمة في بنائه، فالصحوة الإسلامية إنجاز ضخم، ومشروع هائل متنوع، غير مسار الوعي، وخطا بالوجدان خطوات بعيدة، لا يمكن بحال من الأحوال التنكر له، أو تحبيذ العودة إلى ما قبله لكن لأنه بهذه الأهمية فهو حقيق بالنقد الذي يكشف عن الخلل النسقي فيه، لأن السكوت عن هذا الخلل كفيل - على المدى البعيد - بالقضاء على هذا الإنجاز، إذ على عكس ما يتوهم المنخرط وجدانياً في هذا الخطاب لا يراد بهذا النقد - وإن كان مؤلماً - وقف الصحوة أو تهميشها، بل يراد منه ضمان استمراريتها بتطويرها - ولو جراحياً - فمن لا يتطور يموت. 5- التأزم لدينا ليس مصدره فكرة ما، استنبتت أو طرأت، بقدر ما هي أزمة في التلقي نتيجة النسق المنغلق، فالمشكلة الأساس، ليست في ابن تيمية، ولا في ابن عبدالوهاب، ولا في سيد قطب - رحمهم الله - بل هي فينا، فنحن نعاني من أزمة في التلقي، لأن العلم عندنا تلقيني، يؤخذ بوصفه منجزاً متصفاً بالكمال، لا يسمح بانتقاده، أو تجاوزه، فثقافة الأجوبة هي المسيطرة، أما ثقافة الأسئلة فغائبة أو مغيبة، وكما يقول باشلار: لابد من التسلح بحاسة وضع الأسئلة. ذلك أن التلقي في حقيقته معركة خطيرة بين الرسالة ومتلقيها، ولا سلاح في هذه المعركة غير التساؤل الناقد، فالحل ليس في عدم التلقي، وإنما هو في كيفية التلقي، وهذه مسألة نسقية خطيرة. إن التعليم عندنا كان - ولا يزال - ذا طابع تلقيني مقيت، وليس هذا في التعليم العام فحسب، بل يمتد ذلك إلى التعليم الجامعي، وخاصة منه ما كان ذا أنساق منغلقة، بل إن في برامج الدراسات العليا في إحدى جامعاتنا يقف الأستاذ لعدة محاضرات يملي - كما في دروس الإملاء الابتدائية تماماً - القصيدة وما يسميه تحليلاً (معاني مفردات!)، فكيف يطالب مثل هذا التعليم بأن يكون أداة وعي، يؤسس لنسق متسائل؟ .
أعلان

نبذة عن كتاب 10خطوات للتغلب على الإنغلاق الذي قد يصيبك

كتاب 10خطوات للتغلب على الإنغلاق الذي قد يصيبك

نحن أبناء ثقافة الانغلاق، ومن ثم فنحن مجتمع مغلق على نفسه، ولا يهون من هذه الحقيقة ما نراه من مظاهر الانفتاح، خاصة الاتصالي منها، بل هذه المظاهر ليست انفتاحاً بمقدار ما هي تحدّ للأنا، تكشف عن مدى سيطرة أنساق الانغلاق، وتغلغلها في الوجدان العام، وتماهي الاجتماعي بتنويعاته معها. وإذا كانت هذه الأنساق بطبيعتها مضمرة، لا تظهر إلاّ لمن يحاول الكشف عنها بواسطة تتبع مظاهرها، فإن الحوادث والأزمات التي يتعرض المجتمع لها بين الحين والآخر كفيلة بأن تستنطق هذه الأنساق وتبرزها للعيان، لتجعلها أكثر عرضة للقراءة والتأمل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي محفزات للثقافي - على تباين أطيافه - ليقرأ ذاته قراءات متنوعة، تكون على المدى البعيد - بتراكماتها - طرائق للقراءة الناقدة، ومن ثم للانفتاح المتفهم للمختلف والاختلاف. لهذا تصبح الأحداث المؤلمة على كل ما فيها من ألم ذات جدوى على المدى البعيد، إذ أن ظهور أعراض المرض في وقت مبكر يعطي فرصة للتشخيص والعلاج، على العكس من الأمراض كامنة الأعراض، فهي تأتي بعد اكتساح المرض لكافة الخلايا وأجهزة المناعة، مما يجعل التشخيص والعلاج مهمتين مستحيلتين، أو على الأقل، إن نجحت الأولى فالثانية متحققة الفشل. بهذا تكون الأحداث جرس إنذار تكشف عما تعد به انساق الانغلاق من كوارث، لا على المستوى الإقليمي، أو القومي فحسب، بل على المستوى الإسلامي الذي يراد الانتصار له، مما يجعل من الأحداث المروعة ليست شيئاً إذا ما قيست بالخلل الثقافي الذي كشفت عنه، والكامن في كافة الخطابات، على تنوعها وتضادها أحياناً، فالقنبلة على خطورتها أخطر منها المصانع المنتجة لها، وهي مصانع (آليات الإنتاج الفكري هنا) لا تنتسب لخطاب واحد، أو لصاحب فكرة ما قدر ما هي أنساق تنظيم تنويعات الثقافي، أياً كان منطلقه، وهذا ما يجعل من الفكرة والفكرة المضادة لها كليهما تضمر القابلية ل (الإرهاب)، فهما وإن اختلفا في المصدر المعرفي، وفي الهدف أو الوعد الطوباوي، فإن آليات الإنتاج واحدة، وهنا يكمن الخطر الحقيقي. ولأن الموضوع في غاية التعقيد ويصعب - بل يستحيل - تناوله في مقال واحد، فحسبي أن أشير إلى النقاط التالية، لتكون ميدان تأمل: 1- ليس المراد بالانغلاق قطع وسائل الاتصال بالآخر، وعدم سماعه أو تجنب مخالطته، فهذا لا يقول به المجنون فضلاً عن غيره، وإنما المراد هنا الفكرة ذات البعد التربوي الواضح، التي ترفض الآخر المختلف، وتستريب به، وتقيم حاجزاً وجدانياً بين ذويها وبينه، فلا تنخرط معه في علاقة تفاعلية حقيقية على المستوى الثقافي والاجتماعي، ومن ثم فهي تتوهم الغزو الفكري وتتلبسها خيالات المؤامرة، فتبقى - وإن اختلطت بالآخر - في حالة استنفار وتحفز للدفاع عما تتوهمه خصوصية، أو ما تظنه قيماً، وبها يحال بينها وبين الاستفادة من الآخر، لأنها تأخذ منه - هذا في حالة قبولها الأخذ منه ابتداء - وهي قد افترضته عدواً، فأي تأثير يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ والثقافة ليست مجرد معلومات يتم نقلها أو استراقها، وإنما هي منظومات متكاملة تشكل بنية الوعي، فيظهر ذلك جلياً في الخطاب وفي الممارسة السلوكية، بمعنى أنها - أي الثقافة - تعيد صياغة المجتمع ضمن منطقها، وإذا كانت الثقافة التي نطمح إليها - وهي بكل صراحة الثقافة الغربية صانعة الحضارة المعاصرة - ذات منطق يقبل المختلف ولا يضيق بالاختلاف، فإنه منطق - بطبعه - يسع الجميع، وما تحصين الأنا ضد تأثيرها إلاّ جهل - وربما حماقة - يصعب الاعتذار له. بهذا يتضح أن الإنسان المنغلق ليس هو اللا متواصل فحسب، بل هو في الحقيقة ذلك الإنسان الخاضع لايديولوجيا الفكرة الانغلاقية ذاتها، فهو يحمل انغلاقيته معه في كل بقعة يحل بها، وهذا ما يفسر كيف أن الإنسان قد يعيش في عواصم العالم الثقافية الكبرى لسنوات، لكنه يرجع كما ذهب، منغلقاً على ثقافته القومية، لا يرضى بها بديلاً، بل ويرسم حدوده على ضوئها، بينما نجد الآخر لم يتجاوز حدود قريته، لكنه أزال كل الحدود، وانفتح على فضاء ثقافي غير محدود، وفي هذا ما يؤكد خطورة الانساق التي تتحكم في وعي الإنسان، وضرورة الالتفات إليها، بوصفها الأكثر خطورة، والأقدر - إذا أمكن تغييرها - أن تؤدي دوراً حيوياً على عكس ما كانت تؤديه من قبل. إن مسألة الانغلاق والانفتاح ليست مسألة خيار بين حسن وأحسن، وإنما هي مسألة خيار بين حياة أو موت، والموت هنا ليس موجهاً تجاه الآخر فحسب، بل يشكل موتاً (انقراضاً) بطيئاً للأنا، ولا يخفى أن التخلف صورة من صور الموت. 2- إذا كان ما سبق تصور مبتسر للانغلاق وخطورته، فإن تشخيص الأنا من هذه الزاوية لا يقبل المصانعة، خاصة في المرحلة الراهنة، فلا مناص من الاعتراف بأننا أبناء بيئة منغلقة على نفسها، ذات عمق انغلاقي في الزمن، يمتد لآلاف السنين، ولعل رواج ثقافة الانغلاق وتعثر ثقافة الانفتاح، ومستوى التقبل الجماهيري لكل منهما، يؤكد دور الجغرافي في المعرفي. ولا شك أن العلاقة بين ثقافة الانغلاق والبيئة القابلة لاحتضانها وتنميتها علاقة تفاعلية، فكل منهما يعمق نسق الانغلاق عند الآخر، وبهذا ازدادت البيئة انغلاقاً - لا يقلل التواصل المادي من وصف البيئة بالانغلاق، فهو هنا وصف ثقافي - كما أن الثقافة الانغلاقية المحتضنة أصبحت تنتج ثقافة أشد انغلاقاً بفضل تفاعلها مع المجتمع العشائري المنغلق بطبعه. 3- إذا كان الديني هو المحرك الأساس لأبناء هذه البيئة فإن الخلل في التلقي وفي الممارسة يكشف عن أنساق الانغلاق بوضوح، وهي أنساق لا يختص بها الديني من دون غيره، بقدر ما هي فيه أوضح، لكونه الأرفع صوتاً، والأكثر فاعلية في المجتمع المحلي، وإلاّ فالليبرالي المحلي، يصدر في ممارسته الثقافية عن الأنساق الانغلاقية ذاتها. ولنكن أكثر وضوحاً في هذه النقطة لأهميتها، فبالنظر لتاريخ تموضع الديني عندنا، نجده يتموضع مستسلماً لنسق الانغلاق، فتظهر أحادية الرأي في مسائل الخلاف، إذ يتم التخلص من الآراء (الفتاوى) المخالفة بالتكتم عليها أو تهميشها، أو - وهذا في أحسن الأحوال - ذكرها لكن بمصادرة حقها في التطبيق، وبهذا لا يعترف بها الوعي الاجتماعي، لأنها لم تتجاوز الورق الذي كتبت عليه، وإذا كانت المجتمعات ذات الطابع الاختلافي، التي تمارس مسائل الاختلاف الفقهي فيها بجلاء، ينشأ الإنسان فيها وهو يرى أمام عينه الاجتهادات على اختلافها محل ترحيب حقيقي، لأنها تأخذ حظها من الممارسة، فإن الإنسان لدينا نشأ - وربما لا تزال الحال كذلك - في إطار اجتهاد واحد فمهما قيل له بعد ذلك عن تعدد الآراء في المسألة، ومهما أقنع بأنها مسألة خلافية، فإن ينفر من الاجتهادات الأخرى شعورياً، ويحس في أعماق ذاته بأنها بعيدة عن الصواب، وغير قابلة للتطبيق، مع أنك لو سألته لذكر الخلاف فيها، فهو يعي الخلاف معرفياً ويتفهمه، لكنه لا يعيه ثقافياً (بالمفهوم الواسع للثقافة) ولا يتفهمه، ولو أخذنا مسألة واحدة كالجهر بالبسلمة لوجدنا النسيج الاجتماعي - مع علمه بالخلاف فيها - لا يتقبل شعورياً أن يكون الخلاف فيها محل تطبيق، فضلاً عن مسائل أخرى، يختلط فيها الديني بالاجتماعي (كوجوب أو سنية صلاة الجماعة، وجواز أو حرمة كشف المرأة لوجهها، وإباحة أو تحريم الأغاني.. إلخ)،، وهذا ما يفسر الحرص الشديد على أطرنة المجتمع وفق رؤية أحادية، في الوقت الذي تدرس فيه مسائل الخلاف، في الكليات الشرعية، وإن كان السؤال المهم والمقلق: كيف تدرس؟!، إذ لا يزال الإنكار لدينا على أشده في مسائل الخلاف. إن ما أريد أن أنبه عليه هنا أن ذكر الاختلاف، بل والاعتراف به، لا يعني بحال من الأحوال تقبله والرضا به، وما لم يمنح الاجتهاد الفقهي للأئمة في الماضي والحاضر حقه في أن يكون متعينا على أرض الواقع فإنه في نهاية الأمر سيبقى منفياً خارج الدائرة الفقهية، مهما كانت العناية النظرية التي يحظى بها. وهذا كله يؤدي إلى التقولب وفق رؤية فقهية ضيقة مستبدة، لا تسمح بتعدد الرؤى، فتؤسس بهذا لمجتمع ذي نسق مغلق، يعترف بالآخر نظرياً، ولكنه ينفيه من الواقع، كما هو الحال في المسألة الفقهية، فالنسق واحد مهما اختلفت الميادين، وبالتالي يصبح العنف - أياً كان مصدره - مبرراً، وربما محل عطف في السياق الثقافي لهذا النسق، وهو ما نأمل في علاجه من مواقع مختلفة، ليس الثقافي بأقلها جدوى. 4- يجب قراءة الخطاب الإسلامي في هذه الأحداث، لكونه معنياً بشكل أو بآخر بما وقع، فالمنفذ ينطلق من ذات الخطاب، وبصرف النظر عن براءة الخطاب المعتدل من الجريمة التي وقعت، فإن اتكاء المنفذين على ذات الخطاب - وإن كان اتكاؤهم باطل الاستدلال - يجعله معنياً بشكل جوهري بمعالجة الحدث فكرياً، وهذا ما فشل فيه - إلى حد كبير - هذا الخطاب، ولا يعني هذا انعدام المعالجة المتعقلنة إسلامياً لما حدث، بل يعني فشل الأعلى صوتاً في هذا الخطاب والأكثر جماهيرية، ولا يغني بعد ذلك نجاح المهمش والفردي، لأنه ذو تأثير محدود. ولقد لوحظ حرص هذا الخطاب أن يظهر بمظهر الانفتاحي، المتفهم للآخر، والقادر على الحوار، وتقبل الاختلاف، غير أن نسقه بدا أنه يخونه في الغالب، لذا وجدناه - أي الخطاب الإسلامي - ينتقل من مناقشة الفكرة التي صدر عنها منفذو الجريمة، إلى الشأن الأمريكي خاصة، والغربي عامة، مستثمراً هجائياته البليغة (الفرزدقية - الجريرية) في كشف جرائم الأمريكي، مما يؤكد سيطرة النسق الانغلاقي، وتغلغله في اللاشعور الجمعي لهذا الخطاب، وهذا ما اتضح بجلاء في المقابلات الارتجالية على الفضاء، ولعل أبرزها المقابلة التي عرضت في إحدى الفضائيات قبل أيام مع أحد الفضلاء، إذ عزم فيها على الصراحة فكان، وحاول أن يظهر فيها بمظهر الانفتاحي الواسع الأفق ففشل في ذلك، وجره نسقه الانغلاقي إلى طرح منغلق في أبعاده، وإن تراءى ليبراليا في مطالبته بالشفافية، وحرية الرأي، إذ سرعان ما تجلت عدائيته للمخالف له، حتى وصل به الأمر إلى تصنيفه (منافقاً أو علمانياً أو ....)، مطالباً بالمنع والإقصاء، بل تعدى ذلك إلى جعل الاستقبال الفضائي والسماح به أحد أسباب العنف، ملمحاً إلى ضرورة الحجر على الناس فضائياً، وفي هذا ما يدل على مدى ما وصلت إليه الانساق الانغلاقية من فاعلية في بنية هذا الخطاب، فهل يريد أن يحجب الفضاء عن الناس في وقت يدعو فيه إلى ضرورة الصراحة في إبداء الرأي؟!، وماذا بقي للرأي بعد كل هذا الحجر؟! كل هذا يكشف عن خلل كامن في الأنساق الثقافية لمجتمع بأكمله، تتساوى في الخطابات على تباينها الايدولوجي. وبهذا يتضح أنه عندما يطرح هذا الخطاب - أو غيره من خطاباتنا - حرية الرأي، فإنما يريد رأيه لا غير، فحرية الرأي عند هذا الخطاب ليست مطلوبة لذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة لنشر الايديولوجيا التي يصدر عنها هذا الخطاب. ولا يعني كل هذا أننا على الضد من هذا الخطاب، بل العكس هو الصحيح، فنحن أبناء هذا الخطاب الإسلامي، وليس المراد تقويضه بهذا النقد، وإنما المساهمة في بنائه، فالصحوة الإسلامية إنجاز ضخم، ومشروع هائل متنوع، غير مسار الوعي، وخطا بالوجدان خطوات بعيدة، لا يمكن بحال من الأحوال التنكر له، أو تحبيذ العودة إلى ما قبله لكن لأنه بهذه الأهمية فهو حقيق بالنقد الذي يكشف عن الخلل النسقي فيه، لأن السكوت عن هذا الخلل كفيل - على المدى البعيد - بالقضاء على هذا الإنجاز، إذ على عكس ما يتوهم المنخرط وجدانياً في هذا الخطاب لا يراد بهذا النقد - وإن كان مؤلماً - وقف الصحوة أو تهميشها، بل يراد منه ضمان استمراريتها بتطويرها - ولو جراحياً - فمن لا يتطور يموت. 5- التأزم لدينا ليس مصدره فكرة ما، استنبتت أو طرأت، بقدر ما هي أزمة في التلقي نتيجة النسق المنغلق، فالمشكلة الأساس، ليست في ابن تيمية، ولا في ابن عبدالوهاب، ولا في سيد قطب - رحمهم الله - بل هي فينا، فنحن نعاني من أزمة في التلقي، لأن العلم عندنا تلقيني، يؤخذ بوصفه منجزاً متصفاً بالكمال، لا يسمح بانتقاده، أو تجاوزه، فثقافة الأجوبة هي المسيطرة، أما ثقافة الأسئلة فغائبة أو مغيبة، وكما يقول باشلار: لابد من التسلح بحاسة وضع الأسئلة. ذلك أن التلقي في حقيقته معركة خطيرة بين الرسالة ومتلقيها، ولا سلاح في هذه المعركة غير التساؤل الناقد، فالحل ليس في عدم التلقي، وإنما هو في كيفية التلقي، وهذه مسألة نسقية خطيرة. إن التعليم عندنا كان - ولا يزال - ذا طابع تلقيني مقيت، وليس هذا في التعليم العام فحسب، بل يمتد ذلك إلى التعليم الجامعي، وخاصة منه ما كان ذا أنساق منغلقة، بل إن في برامج الدراسات العليا في إحدى جامعاتنا يقف الأستاذ لعدة محاضرات يملي - كما في دروس الإملاء الابتدائية تماماً - القصيدة وما يسميه تحليلاً (معاني مفردات!)، فكيف يطالب مثل هذا التعليم بأن يكون أداة وعي، يؤسس لنسق متسائل؟ .


هذا الكتاب من تأليف غير محدد و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها

تحميل
التحميل حجم الكتاب
تحميل غير محدد فى الوقت الحالى
أضافة مراجعة
0.0 / 5
بناء على 0 مراجعة
1 (0)
2 (0)
3 (0)
4 (0)
5 (0)
كتب ذات صلة