أعلان

تحميل كتاب دلائل النبوة اشتمل على أكثر من ألف وأربعمائة دلالة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم pdf
المؤلف : سعيد بن عبد القادر بن سالم باشنفر
عن الكتاب : 1997م - 1443هـ قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله: "والآيات والبراهين الدالَّة على نبوَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرة... ويسمِّيها مَن يسمِّيها من النُّظَّار (معجزات)، وتسمَّى (دلائل النبوَّة) و(أعلام النبوَّة)، ونحو ذلك، وهذه الألفاظ إذا سُمِّيت بها آيات الأنبياء، كانت أدلَّ على المقصود من لفظ (المعجزات)" [1].
ومهما يكن من أمرٍ، فإن قولنا: (دلائل النبوة) أصبح لفظًا شائعًا مُستعمَلاً عند العلماء الذين كتبوا في هذا الموضوع، والمعجزات هي من دون شكٍّ من دلائل النبوَّة.
أقول: إن المعجزة ظاهِرَة تكرَّرت في حياة الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - لتكون دليلاً على صِدْقِ دعواهم، وقد قصَّ القرآنُ الكريم علينا كثيرًا من أنباء المعجزات التي جاءت مُصَدِّقة لرسل الله المتقدِّمين من أمثال: ناقةِ صالح، وعصا موسى، وركوبه البحر، وإحياءِ عيسى الموتى، وإبرائه الأَكْمَه والأَبْرَص.
ولا بُدَّ في المعجزة من أن تتوافَرَ فيها ثلاثة أمور:
1- أنها أمر خارِق للعادة، غير جارٍ على ما اعتاد الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية؛ ولذا فهي غير قابلة لتفسيرها على نحو ما يجري عادَةً في الحياة.
2- أنها مقرونة بالتحدِّي، تحدِّي المكذِّبين أو الشاكِّين، ولا بُدَّ أن يكون الذين يُتَحدَّونَ من القادِرين على الإتيان بمثل المعجزة إن لم تكن من عند الله، وإلاَّ فإن التحدِّي لا يُتَصوَّر؛ إذ إننا لا نستطيع تصوُّرَ بطل في المُلاكَمة يتحدَّى طفلاً؛ لأن هذا الطفل عاجِزٌ عن مقابلته.
وفي ذلك ردٌّ لزعم أبي إسحاق النظَّام من أنَّ العرب سُلِبوا القدرةَ على الإتيان بمثل القرآن مع إمكانهم ذلك.
3- أنها أمر سالِم عن المُعارَضَة، فمتى أمكن لأحدٍ أن يُعارِضَ هذا الأمر ويأتي بمثله، بَطَلَ أن يكون معجزة.
والمعجزة على نوعين: حسيَّة وعقليَّة.
والمُلاحَظ: أن أكثر معجزات الأنبياء السابِقين كانت حسيَّة، في حين نجد أنَّ المعجزة الكبرى التي جاء بها نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقليَّة، ونعني بهذه المعجزة القرآنَ الكريمَ، وهناك معجزات أخرى حسيَّة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاء في الصحيح أخبارُها وهي كثيرة. ولعلَّ مَرَدَّ ذلك إلى أن هذه الشريعةَ آخِرُ الشرائع، وستبقى أَبَدَ الدَّهْرِ إلى يوم القيامة، ومن أجل ذلك فقد خُصَّت بالمعجزة العقليَّة الباقِيَة، ليراها ذوو البصائر في كلِّ العصور ومهما تقدَّم الزمان. ومن ثَم فإن معجزات الأنبياء السابقين - عليهم السلام - قد انقرَضَتْ بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا مَن حضَرَها، أما معجزةُ القرآن فباقيةٌ مستمرَّة إلى يوم القيامة.
وبنحوٍ من هذا الذي ذكرنا، فسَّر العلماء قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطِيَ ما مثلُه آمَنَ عليه البَشَرُ، وإنما كان الذي أُوتِيتُه وَحيًا أَوْحاهُ الله إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تَبَعًا يوم القيامة)) [2].
نعم، إن القرآن الكريم هو أعظم دلائل نبوَّة نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان قومه يَصِفُونه قبل النبوَّة بالصادق الأمين، وقد لبث فيهم أربعين سنةً لم يسمعوا منه شيئًا مثل القرآن، ثم أوحى الله إليه هذا الكتابَ فبلَّغهم رسالة الله؛ يقول تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 16- 17].
وكان القرآن مُعجِزًا للعرب ذوي الفصاحة وأُولي البلاغة، تحدَّاهم فلم يقدر أحدٌ منهم على معارَضَتِه، وقد قرَّر القرآن أن مجرَّد سماع العرب لآياته حُجَّة كبرى عليهم، وكفى بهذا دليلاً على إعجازه؛ قال الله تعالى في صَدَدِ الردِّ على طلبهم المعجزات، مشيرًا إلى أنَّ هذا الكتابَ يُغنِي عن كلِّ معجزة: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 50- 51].
فأخبَرَ سبحانه: أنَّ الكتاب الكريم الذي أنزَلَه، والذي يُتلى عليهم هو آيةٌ من آيات الله، كافٍ في الدلالة على صدق نبوَّة هذا النبي الكريم، قائمٌ مقام معجزات كثيرة، فلماذا يطلب هؤلاء القوم الآيات؟ أَوَلا يكفيهم هذا الكتاب الذي يَفوقُ كلَّ معجزات الأنبياء السابقين في الدلالة على نبوَّته؟!
ويقول تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ﴾ [التوبة: 6]؛ ذلك لأن العربيَّ إذا سمع كلام الله وتذوَّقه قادَه ذلك الكلام إلى الإيمان إن كان من المنصفين؛ لأنه لا يسمعه مُتَذوِّق مُنصِف إلا وينتهي به إلى الإيمان.
هذا؛ وقد أيَّد الواقع التاريخيُّ ذلك، فقد حدثتنا كتبُ السيرة أن مجرَّد سماع العربي للقرآن كان يُوقِفه على المعجزة العظمى، ويحمله ذلك على الإيمان، وأدرك ذلك كفَّار قريش، فكانوا يَنْهَون عن سماع القرآن، كما حكى الله - سبحانه - ذلك عنهم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصِّلت: 26].
وكانوا يسعَوْن جهدهم للحيلولة بين رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبين مَن يأتي من وفود العرب إلى مكَّة، ومن ذلك ما جاء في "سيرة ابن هشام" من إسلام الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسِيِّ: قَدِم الطُّفَيْلُ مكَّة، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بها، فمشى إليه رجلٌ من قريش، وكان الطُّفَيْلُ شَريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: يا طُفَيل، إنك قَدِمتَ بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا[3]، وقد فرَّق جماعَتَنا وشتَّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرِّق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمَنَّه ولا تسمعَنَّ منه شيئًا.
قال الطُّفَيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلِّمَه، وحشَوْتُ في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا[4] فَرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
فغدَوتُ إلى المسجد فإذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائم يصلِّي عند الكعبة، فقمت منه قريبًا، فأبى الله إلا أن يُسمِعَني بعضَ قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكلَ أمِّي! والله إني لَرجلٌ لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح، فما يمنعني أن أسمعَ من هذا الرجل ما يقول؟! فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته.
فمكثت حتى انصَرَف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى بيته، فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إنَّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا... فوالله ما برحوا يخوِّفونني أمرَك حتى سددتُ أذني، بكُرْسُفٍ لئلاَّ أسمع قولك، ثم أَبَى الله إلا أن يُسمِعَني قولك، فسمعت قولاً حسنًا، فاعرِضْ عليَّ أمرك.
فعرض عليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قطُّ أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمتُ وشهدت شهادةَ الحق[5].
ونتوقَّع أن أمثال هذه الحادثة كثيرٌ، لقد كان القرآن الكريم من أعظم دلائل نبوَّته - صلوات الله وسلامه عليه. .
أعلان
الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب المذكور فى حالة وجود مشكلة بالكتاب الرجاء الإبلاغ من خلال الايميل الخاص بنا فى صفحة حقوق النشر أو من خلال صفحتنا على الفيس بوك.
وصف كتاب دلائل النبوة اشتمل على أكثر من ألف وأربعمائة دلالة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
1997م - 1443هـ قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله: "والآيات والبراهين الدالَّة على نبوَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرة... ويسمِّيها مَن يسمِّيها من النُّظَّار (معجزات)، وتسمَّى (دلائل النبوَّة) و(أعلام النبوَّة)، ونحو ذلك، وهذه الألفاظ إذا سُمِّيت بها آيات الأنبياء، كانت أدلَّ على المقصود من لفظ (المعجزات)" [1].
ومهما يكن من أمرٍ، فإن قولنا: (دلائل النبوة) أصبح لفظًا شائعًا مُستعمَلاً عند العلماء الذين كتبوا في هذا الموضوع، والمعجزات هي من دون شكٍّ من دلائل النبوَّة.
أقول: إن المعجزة ظاهِرَة تكرَّرت في حياة الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - لتكون دليلاً على صِدْقِ دعواهم، وقد قصَّ القرآنُ الكريم علينا كثيرًا من أنباء المعجزات التي جاءت مُصَدِّقة لرسل الله المتقدِّمين من أمثال: ناقةِ صالح، وعصا موسى، وركوبه البحر، وإحياءِ عيسى الموتى، وإبرائه الأَكْمَه والأَبْرَص.
ولا بُدَّ في المعجزة من أن تتوافَرَ فيها ثلاثة أمور:
1- أنها أمر خارِق للعادة، غير جارٍ على ما اعتاد الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية؛ ولذا فهي غير قابلة لتفسيرها على نحو ما يجري عادَةً في الحياة.
2- أنها مقرونة بالتحدِّي، تحدِّي المكذِّبين أو الشاكِّين، ولا بُدَّ أن يكون الذين يُتَحدَّونَ من القادِرين على الإتيان بمثل المعجزة إن لم تكن من عند الله، وإلاَّ فإن التحدِّي لا يُتَصوَّر؛ إذ إننا لا نستطيع تصوُّرَ بطل في المُلاكَمة يتحدَّى طفلاً؛ لأن هذا الطفل عاجِزٌ عن مقابلته.
وفي ذلك ردٌّ لزعم أبي إسحاق النظَّام من أنَّ العرب سُلِبوا القدرةَ على الإتيان بمثل القرآن مع إمكانهم ذلك.
3- أنها أمر سالِم عن المُعارَضَة، فمتى أمكن لأحدٍ أن يُعارِضَ هذا الأمر ويأتي بمثله، بَطَلَ أن يكون معجزة.
والمعجزة على نوعين: حسيَّة وعقليَّة.
والمُلاحَظ: أن أكثر معجزات الأنبياء السابِقين كانت حسيَّة، في حين نجد أنَّ المعجزة الكبرى التي جاء بها نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقليَّة، ونعني بهذه المعجزة القرآنَ الكريمَ، وهناك معجزات أخرى حسيَّة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاء في الصحيح أخبارُها وهي كثيرة. ولعلَّ مَرَدَّ ذلك إلى أن هذه الشريعةَ آخِرُ الشرائع، وستبقى أَبَدَ الدَّهْرِ إلى يوم القيامة، ومن أجل ذلك فقد خُصَّت بالمعجزة العقليَّة الباقِيَة، ليراها ذوو البصائر في كلِّ العصور ومهما تقدَّم الزمان. ومن ثَم فإن معجزات الأنبياء السابقين - عليهم السلام - قد انقرَضَتْ بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا مَن حضَرَها، أما معجزةُ القرآن فباقيةٌ مستمرَّة إلى يوم القيامة.
وبنحوٍ من هذا الذي ذكرنا، فسَّر العلماء قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطِيَ ما مثلُه آمَنَ عليه البَشَرُ، وإنما كان الذي أُوتِيتُه وَحيًا أَوْحاهُ الله إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تَبَعًا يوم القيامة)) [2].
نعم، إن القرآن الكريم هو أعظم دلائل نبوَّة نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان قومه يَصِفُونه قبل النبوَّة بالصادق الأمين، وقد لبث فيهم أربعين سنةً لم يسمعوا منه شيئًا مثل القرآن، ثم أوحى الله إليه هذا الكتابَ فبلَّغهم رسالة الله؛ يقول تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 16- 17].
وكان القرآن مُعجِزًا للعرب ذوي الفصاحة وأُولي البلاغة، تحدَّاهم فلم يقدر أحدٌ منهم على معارَضَتِه، وقد قرَّر القرآن أن مجرَّد سماع العرب لآياته حُجَّة كبرى عليهم، وكفى بهذا دليلاً على إعجازه؛ قال الله تعالى في صَدَدِ الردِّ على طلبهم المعجزات، مشيرًا إلى أنَّ هذا الكتابَ يُغنِي عن كلِّ معجزة: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 50- 51].
فأخبَرَ سبحانه: أنَّ الكتاب الكريم الذي أنزَلَه، والذي يُتلى عليهم هو آيةٌ من آيات الله، كافٍ في الدلالة على صدق نبوَّة هذا النبي الكريم، قائمٌ مقام معجزات كثيرة، فلماذا يطلب هؤلاء القوم الآيات؟ أَوَلا يكفيهم هذا الكتاب الذي يَفوقُ كلَّ معجزات الأنبياء السابقين في الدلالة على نبوَّته؟!
ويقول تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ﴾ [التوبة: 6]؛ ذلك لأن العربيَّ إذا سمع كلام الله وتذوَّقه قادَه ذلك الكلام إلى الإيمان إن كان من المنصفين؛ لأنه لا يسمعه مُتَذوِّق مُنصِف إلا وينتهي به إلى الإيمان.
هذا؛ وقد أيَّد الواقع التاريخيُّ ذلك، فقد حدثتنا كتبُ السيرة أن مجرَّد سماع العربي للقرآن كان يُوقِفه على المعجزة العظمى، ويحمله ذلك على الإيمان، وأدرك ذلك كفَّار قريش، فكانوا يَنْهَون عن سماع القرآن، كما حكى الله - سبحانه - ذلك عنهم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصِّلت: 26].
وكانوا يسعَوْن جهدهم للحيلولة بين رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبين مَن يأتي من وفود العرب إلى مكَّة، ومن ذلك ما جاء في "سيرة ابن هشام" من إسلام الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسِيِّ: قَدِم الطُّفَيْلُ مكَّة، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بها، فمشى إليه رجلٌ من قريش، وكان الطُّفَيْلُ شَريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: يا طُفَيل، إنك قَدِمتَ بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا[3]، وقد فرَّق جماعَتَنا وشتَّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرِّق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمَنَّه ولا تسمعَنَّ منه شيئًا.
قال الطُّفَيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلِّمَه، وحشَوْتُ في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا[4] فَرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
فغدَوتُ إلى المسجد فإذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائم يصلِّي عند الكعبة، فقمت منه قريبًا، فأبى الله إلا أن يُسمِعَني بعضَ قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكلَ أمِّي! والله إني لَرجلٌ لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح، فما يمنعني أن أسمعَ من هذا الرجل ما يقول؟! فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته.
فمكثت حتى انصَرَف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى بيته، فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إنَّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا... فوالله ما برحوا يخوِّفونني أمرَك حتى سددتُ أذني، بكُرْسُفٍ لئلاَّ أسمع قولك، ثم أَبَى الله إلا أن يُسمِعَني قولك، فسمعت قولاً حسنًا، فاعرِضْ عليَّ أمرك.
فعرض عليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قطُّ أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمتُ وشهدت شهادةَ الحق[5].
ونتوقَّع أن أمثال هذه الحادثة كثيرٌ، لقد كان القرآن الكريم من أعظم دلائل نبوَّته - صلوات الله وسلامه عليه. .
أعلان
أعلان
تحميل
التحميل | حجم الكتاب |
---|---|
غير محدد فى الوقت الحالى |
أعلان
أضافة مراجعة
1 (0)
2 (0)
3 (0)
4 (0)
5 (0)
كتب ذات صلة بكتاب دلائل النبوة اشتمل على أكثر من ألف وأربعمائة دلالة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

0.0
كتاب قواعد و رهنمونهای بیداری اسلامی
محمد صالح العثیمین
كتب إسلامية - كتب إسلامية متنوعة - غير محدد عدد الصفحات

0.0
كتاب زیارت قبور بین حقیقت و خرافات فصل پنج ..
حیدر علی قلمداران
كتب إسلامية - كتب إسلامية متنوعة - غير محدد عدد الصفحات